حينما خلق الحق- تبارك وتعالى- الأرض، وضع ميزاناً لها إذا قام فيها انصلح حالها، وإذا ضيع أو فرط في جزء منه صارت يابسة لا تنبت زرعاً، ولا تحمل ماءاً.
هذا الميزان هو العدل، فبه يتحاب الناس، وبه تنصلح الأمور، وبه تتصافى القلوب، وتصفو الأنفس. وفي غيابه يتقاتل الناس، وتصبح القلوب سقيمة، والأنفس ميته، هكذا هو حكم الله يوم خلق السماوات والأرض.
فمن العدل: أن يعدل الراعي بين رعيته، فلا يميل لأحد دون أحد، ولا يميز فئة ضد أخرى.
ومن العدل أيضاً: أن تعدل الرعية مع الراعي، أو الناس مع الحاكم، فإذا رأوا خيراً ذكروه ودعوا له، وإذا وجدوا شراً أعانوه وأنقذوه منه.
بهذا الميزان- ميزان العدل- لا يظلم قاض في حكمه، ولا شاهد في شهادته، فالكل يسير وراءه متلهفاً لتطبيقه، عازماً على إنفاذه.
العدل في الأسرة ميزان دقيق هو أدق من الشعرة، فللأم وللأب أن يعاملوا أولادهم جميعاً به، بلا تفضيل أو تخصيص.
العدل في المجتمع روح تسري في أفراده، فالكل يهفوا إليه، متطلعين إلى إقراره وإمضائه ولو على أنفسهم وما يعولون.
الصحفي في صحيفته، ينبغي أن يكون عادلاً، فلا يظلم الناس بإظهار الباطل، وإخفاء الحقيقة، ولا يجري وراء السبقات الصحفية، والتي أماتت كثيراً من القلوب، وخاضت في كثير من أعراض الشرفاء، بل ربما هدمت أسر، وقُضي على مجتمعات، بفعل كلمة غير مسؤولة، أو خبر مفبرك غير صحيح.
ومن أعظم درجات العدل، هو العدل مع النفس، بأن لا يضعها صاحبها موضع الضياع والهلكة، بأن يختار لعقله ما ينفعه، ولقلبه ما يوقظه، وأن يجعل هواه وشهوته في طريقها الصحيح.
فظلم النفس أقوى أنواع الظلم، فكم لنفوس ضاعت من تصرفات أصحابها، وكم من قلوب خربت من جراء إهمال صاحبها لها.
العدل ميزان الله في أرضه، ونوره الذي نشره في خلقه، فلنقم ميزان الله، ولنعيش به.