يقوم التكافل الاجتماعي في الإسلام على بناء فكري متكامل له أساسه من العقيدة ومن المنظومة الأخلاقية الإسلامية
فلم يكن تقرير هذا الحق للإنسان وليد تجارب بشرية فرضته فرضا ، كما هو الشأن في نظم الضمان الاجتماعي التي تسود العالم الحديث .
والتكافل في الإسلام ، يمثل فكرة متقدمة ، تتجاوز مجرد التعاون بين الناس ، أو تقديم أوجه المساعدة وقت الضعف والحاجة .
ومبناه ليس الحاجة الاجتماعية التي تفرض نفسها في وقت معين أو مكان بعينه
وإنما يستمد التكافل الاجتماعي في الإسلام مبناه من مبدأ مقرر في الشريعة
وهو مبدأ الولاية المتبادلة بين المؤمنين في المجتمع ، يقول الله تعالى :
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ
وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .
سورة التوبة ، الآية 71.
فالإنسان في التصور الإسلامي ، لا يعيش مستقلا بنفسه ، منعزلا عن غيره ، وإنما يتبادل مع أفراد المجتمع الآخرين الولاية
بما تعنيه من الإشراف والتساند والتكافل في أمور الحياة وفي شؤون المجتمع .
والتكافل في الإسلام ، يعني التزام القادر من أفراد المجتمع تجاه أفراده , قال تعالى في وصف المؤمنين الصالحين :
" وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(9) سورة الحشر .
عَنْ أَبي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفر مَعَ اَلنبِيِّ ، صلى الله عليه وسلم ، إِذْ جَاءَ رَجُل عَلَى رَاحِلَة لَهُ
قَالَ : فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينأ وَشِمَالاً
فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ
وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْل مِن زَاد فَليَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ ، قَالَ : فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ اَلْمَالِ مَا ذَكَر ، حَتُّى رَأَيْنَا أَنَهُ لاحق لأَحَدٍ منا فِي فَضْل .
أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود .
وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - مسؤولية المجتمع عن كل فرد محتاج فيه ، في عبارة قوية في إنذارها للفرد والمجتمع :
« ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه » رواه البخاري .
وتظهر الزكاة التي هي أحد أركان الإسلام وفريضته الاجتماعية أول صور التكافل الاجتماعي في الإسلام
وهي فريضة على كل مسلم وهي حق مقدر بتقدير الشارع الحكيم في المال بشروط معينة
وهي تدل على معنى أخص من الصدقة التي لا تتحدد بمال معين أو قدر بذاته .
الصدقة متروكة لاختيار الأفراد في قدرها ، وفيمن توجه إليه من المحتاجين
وذلك على خلاف الزكاة التي فرضها الله في أنواع المال التي حددها الشارع ، وبين نصاب كل نوع ، ومقدار الزكاة فيه.
ولا يقتصر التكافل الاجتماعي في الإسلام ، على الجوانب المادية فحسب ، بل يمتد إلى ما يعد تعاونا شاملا على البر.قال تعالى :
" وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
(2) سورة المائدة.
فالمسلمون متآلفون متعاونون يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم .