السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والصلاة والسلام على حبيبنا الامي محمد صلى الله عليه وسلم
فصل [ القلوب ثلاثه ]
وإنما يقوى العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه عزوجل إذا قهر شهوته وهواه ، وإلا فقلب قدقهرته الشهوه ، وأسره الهوى ، ووجد الشيطان فيه مقعداً تمكن فيه ، كيف يخلص من الوساوس والأفكار ؟!
والقلوب ثلاثة :
[ القلب الأول ] :قلب خال من الإيمان وجميع الخير ، فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاءالوساوس إليه ؛ لأنه قد اتخذه بيتا ً ووطنا ً وتحكم فيه بما يريد ، ووتمكن منه غاية التمكن.
[ القلب الثاني ] :قلب قد استنار بنور الإيمان ، وأوقد فيه مصباحه ، لكن ظلمة الشهوات وعواصف الأهوية، فللشيطان هناك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع ، فالحرب دول وسجال وتختلف أحوال هذاالصنف بالقلة والكثرة ، فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر ، ومنهم من غلبة عدوه له أكثر ، ومنهم من هو تارة وتارة
[ القلب الثالث] :قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعت عنه حجب الشهوات ، وأقلعت عنه تلك الظلمات ، فلنوره في قلبه اشراق ، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به ، فهو كالسماء التي حُرست بالنجوم ، فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق ،وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن ، وحراسة الله تعالى له أتم من حراسة السماء ،والسماء متعبد الملائكة ، ومستقر الوحي ، وفيها أنوار الطاعات ، وقلب المؤمن مستقرالتوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان ، وفيه أنوارها ، فهو حقيق أن يُحرس ويُحفظ من كيد العدو ، فلا ينال منه شيئا ً إلا على غرة وغفلة وخطفة ، وقد مثَل ذلك بمثالحسن
وهو ثلاثة بيوت :
بيت للملك فيه كنوزهوذخائره وجواهره
وبيت للعبد فيه كنوزالعبد وذخائره وجواهره ، وليس جواهر الملك وذخائره
وبيت خالِ صفر لا شيءفيه ، فجاء اللص ليسرق من أحد البيوت ، فمن أيها يسرق؟!
فإن قلت : من البيت الخالي ، كان محالا ً ، لأن البيت الخالي ليس فيه شيء يسرق ، ولهذا قيل لإبن عباس رضي الله عنهما : إن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها ، فقال : وما يصنع الشيطان بالقلب الخراب ؟
وإن قلت : يسرق من بيت الملك ، كان ذلك كالمستحيل الممتنع ، فإنه عليه من الحرس واليزك(معناها طلائع الجيش) مالا يستطيع اللص الدنو منه ، كيف وحارسه الملك بنفسه ، وكيف يستطيع اللص الدنو منه وحوله من الحرس والجند ما حوله ؟ فلم يبق للص إلا البيت الثالث ، فهو الذي يشنعليه الغارات .
فليتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل ، ولينزله على القلوب ، فإنها على منواله .
فقلب خلا من الخيركله ، وهو قلب الكافر و المنافق ، فذلك بيت الشيطان ، قد أحرزه لنفسه واستوطنه واتخذه سكنا ً ومستقرا ً ، فأي شيء يسرق منه وفيه خزائنه وذخائره وشكوكه وخيالاته ووساوسه ؟
وقلب قد امتلأ من جلال الله عز وجل وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه ، فأي شيطان يجترئ على هذاالقلب ؟ وإن أراد سرقة شيء منه ، فماذا يسرق ، وغايته أن يظفر في الأحايين منه بخطفة ونهبة يحصل له على غرة من العبد وغفلة لا بد له منها ، إذ هو بشر ، وأحكام البشرية جارية عليه من الغفلة والسهو والذهول وغلبة الطبع .
وقلب فيه توحيد الله تعالى ومعرفته ومحبته والإيمان به والتصديق بوعده ووعيده ، وفيه شهوات النفس وأخلاقها ودواعي الهوى والطبع .
وقلب بين هذين الداعيين ، فمرة يميل بقلبه داعي الإيمان والمعرفة والمحبة لله تعالى وإرادته وحده، ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع ، فهذا القلب للشيطان فيه مطمع ،وله منه منازلات ووقائع ، ويعطي الله النصر لمن يشاء)وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم([أل عمران :126]
وهذا لا يتمكن الشيطان منه إلا بما عنده من سلاحه ، فيدخل إليه الشيطان ، فيجد سلاحه عنده ،فيأخذه ويقاتله به ، فإن أسلحته هي الشهوات والخيالات والأماني الكاذبة ، وهي فيالقلب ، فيدخل الشيطان فيجدها عتيدة فيأخذها ويصول بها على القلب ، فإن كان عندالعبد عدة عتيدة من الإيمان تقاوم تلك العدة وتزيد عليها ، انتصف من الشيطان ،وإلا فالدولة لعدوه عليه ،ولا حول ولا قوة إلا بالله . فإذا أذن العبد لعدوه وفتحله باب بيته وأدخله عليه ومكنه من السلاح يقاتله به ، فهو الملوم .