إخوتى الكرام
هكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كلما مررنا بسيرته ، رأينا صدق اعتماده وتوكله على الله ،
وعظيم تضرعه والتجائه إلى مولاه .
أرأيته وهو قافل من الطائف بعد أن لقي ما لقي من الأذى ما الذي صنعه ؟
ما الذي أراد به تفريج همه ؟ ما الذي سعى إليه لينفس من كربه ؟ من الذي توجه إليه ليذهب حزنه ؟
أليس قد لجأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الله - عز وجل - وهو يناديه في تضرع خاشع :
( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلا من تكلني ؟
إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي ... )
فينزاح الهم والكرب ، ويزول الحزن ، ويقوى اليقين ، ويعظم الإيمان ، وتنقشع الغمة ، وتعلو العزيمة ،
ويكون المرء مع كل ضعفه المادي ، أعظم قوة من كل قوى الأرض بإذن الله - عز وجل - ،
ويوم واجه النبي - صلى الله عليه وسلم - أضعاف من معه من المؤمنين في جيش قريش ،
في يوم بدر توجه - عليه الصلاة والسلام - إلى الله - جل وعلا - :
( اللهم أنجز لي ما وعدتني ،اللهم آتني ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض.. )
فما زال يهتف بربه ماداً يديه ، مستقبلاً القبلة حتى سقط رداءه من منكبيه ،
فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه ، فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه ،
فقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك إنه سينجز لك ما وعدك .
أليس هذا التجاء في أعظم وقت ، وفي أحرج موقف ، وعند التقاء الصفوف ، وعند مواجهة الخطوب ،
وعند كثرة الأعداء ، وفي مواجهة قوى الأرض ..
يستعين النبي - صلى الله عليه وسلم - برب الأرض والسماء ،
أما رأيناه في الأحزاب يوم تجمع الأعداء من كل حدب وصوب .. اختلفت نواياهم ، وتنوعت مقاصدهم ،
لكنهم أحاطوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبأهل الإسلام ، في مدينة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - .
وذكر أهل السير أن عدتهم كانت عشرة آلاف رجل ، وذكر بعضهم أن هذا العدد كان بعدد أهل المدينة كلها
رجالاً ونساء وأطفالاً ، فأي شيء كان ؟ وأي خطب نال من يقين القلوب ، أو نال من ثبات الأقدام ،
أو نال من همة وعزيمة أهل الإيمان ؟ كلا ! لقد كبّر النبي - صلى الله عليه وسلم – وبشّر ،
في شدة المحنة وفي عزّ تلك المصيبة.
وماذا كانت النتيجة ؟
{ فرد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خير وكفى الله المؤمنون القتال }.
ويوم توجه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر لقتال فلول اليهود المتجمعة فيها ،
إنما سار باسم الله ، وإنما استعان بقوة الله ، وإنما صاح وهو مقدم عليهم ، ومقبل على ديارهم ..
( الله أكبر .. الله أكبر ، خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ) .
هكذا يستصحب المؤمن قوة الله ، هكذا يكون معه دائماً صدق الالتجاء إلى الله ،
هكذا يواجه كل خطب ، ينتصر بإذن الله - سبحانه وتعالى - .
في كل مواجهة الصبر زاد المؤمنين ، والنصر عقبى الصابرين ، والقادر الجبار نعم العون إن عز المعين ،
كم عبرة في الأولين وعبرة في الآخرين لقيت عناد معاندين ، وغفلة من غافلين ؛
فإذا علا صوت النذير فساء صباح المنذرين .
فالتجئوا إلى الله - سبحانه وتعالى - .. علقوا به القلوب ..
أخلصوا له التوجه والقصد .. فرغوا قلوبكم ونفوسكم من كل اعتماد أو توكل على غيره ..
{ وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } .
لابد من أوبة صادقة ، وإنابة مخلصة ، والتجاء حقيقي حار مخلص لله - سبحانه وتعالى - ،
ولنهتف ولنردد من أعماق قلوبنا : { ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير }
ولنكن حقيقة على مقتضى الإيمان في الارتباط بالله ، والتخلي عن كل ما سواه
{ والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد } .
إنما البشرى لمن يكون راجعٌ إلى ربه ومولاه ، واثقٌ بنصره وتفريجه لهمه وكربه - بإذن الله - ،
وهكذا كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم – يعلمنا .. هكذا كان ينبهنا ، كما في الصحيحين من حديث ابن عباس ،
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب :
( لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم ،
لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ) .
وفي حديث أسماء بنت عميس عند أبي داود بسند حسن ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
خاطبها فقال : ألا أعلمكِ كلمات تقوليهن عند الكرب !
قالت : بلى يا رسول الله ، فقال لها : قولي الله ربي ولا أشرك به شيئا .