أيها الاخوة المؤمنون ... ما إن يحل فصل الإمتحانات الكبرى كالباكالوريا وموسم الزواج والخطبة والأفراح حتى يطل على الأمة أناس شياطين يدَّعون علم الغيب وتحسين الحظ ليأكلوا أموال الناس بالباطل ويلبسوا على الناس دينهم .
ألا وإن من المسائل الكبرى التي بينها الله عز وجل في كتابه أتم بيان، وأوضحها أحسن إيضاح مسألة أن الله سبحانه هو المتفرد وحده يعلم الغيب ، وأكد هذه الحقيقة بأمر نبيه صلى الله عليه وسلم معلم البشرية أن يعلنها فقال له:{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [(65) سورة النمل]، وقال سبحانه: {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [(123) سورة هود] ، وقال تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [(59) سورة الأنعام] ، ثم بين سبحانه هذه المفاتح بقوله: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [(34) سورة لقمان].
قد نعلم بالحواس والعقل والأجهزة امكانية نزول الغيث ولكننا لا نعلم وقته بالضبط وكميته ومكانه المحدد وإلا ما أخذنا طوفان ولا تسونامي ولا نعلم متى سيسقط في المستقبل البعيد وهل ينفع أم يضر ، قد نعلم بالعلم والتطور جنس الجنين في مراحل معينة من نموه ولكن لا نعلمه قبل ذلك فلا نعلم ما ستنتج الأرحام والنطف وأيها يحيى أو يموت وأيها الشقي أو السعيد...
أيها الأخوة المؤمنون: لقد نفى الله عز وجل عن كل أحد مهما علا قدره معرفته بالغيب إلا ما أطلع الله عليه خلقه بالوحي ؛ فهؤلاء ملائكته المقربون يقولون { سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } وهؤلاء الجن، بين سبحانه وتعالى أنهم لا يعلمون الغيب فقال تعالى في قصة موت سليمان عليه الصلاة والسلام:{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [(14) سورة سبأ] ، وهؤلاء رسله صلوات الله وسلامه عليهم يقرون بعدم علمهم الغيب، قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} [(109) سورة المائدة] فهذا أول الرسل نوح عليه السلام يقول: {وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} [(31) سورة هود] وهذا آخر الرسل صلى الله عليه وسلم يقول: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [(188) سورة الأعراف] ويقول: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [(9) سورة الأحقاف] فهذا حال الرسل أولهم وآخرهم ينفون عن أنفسهم معرفتهم بعلم الغيب، ويقولون كلهم: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} [(109) سورة المائدة] وحتى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نفى الله عنهم العلم بالغيب ولم يطلعهم عليه، قال تعالى: {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء} [(179) سورة آل عمران] فهؤلاء الملائكة والجن والرسل وأتباع الرسل ينفى الله عنهم علمهم بالغيب، وينفونه هم عن أنفسهم.
فإن من علامات الإيمان بالله وكتبه ورسله أن ينفي المؤمن عن نفسه علم الغيب ... فأهل الإيمان يتبرؤون من علم الغيب ولا يدعونه أبدا ... هذه عقيدتنا وإيماننا وإسلامنا أن الغيب لا يعلمه إلا الله، فلا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل، فضلاً أن يعلمه شيطان أو ساحر أو منجم أو كاهن أو عراف ...
أيها الأخوة المؤمنون: مع كل هذه الآيات القرآنية، في نفي علم الغيب عن المخلوقين، ووضوحها وبيانها... إلا أنه يوجد من يدعى علم الغيب ؛ فكل من ادعى علم الغيب فهو كافر بنص القرآن والسنة. إذا كانت الجن والملائكة والإنس وعلى رأسهم الرسل لا يعلمون الغيب فكيف يدعيه هؤلاء الدجالون والكذابون المحتالون على الناس ...
إن رأس مال المؤمن عقيدته وإيمانه ، فتراه يعض عليها بالنواجذ ويخاف عليها ويحتاط ، وإن مما يُخاف منه ما حذر منه الحبيب صلى الله عليه وسلم حين قال (إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم) - رواه الطبراني عن أبي أمامة وهو في صحيح الجامع 1127- فالحذر الحذر فإن الأمر خطير .
يقول صلى الله عليه وسلم: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة) رواه مسلم . فمن أتى إلى المنجم أو الكاهن أو العراف الذين يدعون معرفة الغيب أو أنهم يضرون أو ينفعون فقد ارتكب محرما، فإذا أتاهم فسألهم لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، فإذا صدقهم كانت الكارثة ... بهذا يكون كافراً بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقة بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) .رواه أبو داود و الترمذي و النسائي وابن ماجه و الحاكم و قال صحيح على شرطهما و صححه الألباني في صحيح الترغيب.
لذلك على المؤمن أن يحافظ على أغلى ما يملك من الإيمان والتوحيد،وليعض عليه بالنواجذ.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر أوليائك وحزبك وعبادك المؤمنين الموحدين في كل مكان.